عندما دخل "ثوّار" الأمّة الإسلامية السّمحاء على عثمان بن
عفّان و هم يكبّرون و يهّللون كان عثمان يقرأ كتاب الله،قد يكون أخطأ عندما قدّم
بني أميّة على باقي المسلمين ،
قد يكون أساء التقدير،
و رغم أنّه من المبشّرين
بالجنّة و أحد الصّحابة المقرّبين من الرسول الكريم فقد جرّه الثوّار من لحيته ثمّ
قطعوا عنقه بعد أن قطعوا أصابع زوجته التي أرادت أن تحميه من ضربة السّيف ،
قتلوه بالوحشيّة اللّازمة التي
تطبع المتوحّشين من غلاة الدّين ثم ذهبوا بعدها للصّلاة و الدّعوة للتراحم ...
تلك هي إحدى قطرات الدّم الأولى من التاريخ الإسلامي المتوحّش و التي
أرّخها المؤرّخون مع اختلاف في قمّة وحشيتها و أسبابها،
فقد قتل قبله عمر بن الخطّاب و
بعده علي بن أبي طالب ،
ثمّ تفنّن الخصوم في التاريخ
الإسلامي في القتل و التنكيل بإخوانهم في الدّين من المسلمين فما بالك بغير
المسلمين.
و لعل وحشيّة قتل عبد الله بن
الزبيّر عندما رجم الحجاج الكعبة بالمنجنيق و هدّها على رؤوس المسلمين المحتمين
بها
لا أكبر دليل على الوحشيّة
السّافرة لغلاة السّلطة و الدّين
فقد قتل عبد الله بن الزبيّر و
مُثّل به
ثم علٌّق حتى تهرّأ جسده و
نهشه الدّود و لم يقع دفنه إلاّ بعد تحلّل جسده تماما
و بعد أن تدخلت أمّه لدى
الحجّاج
" أما آن لهذا الفارس أن
يترجّل"
فترجل إلى مثواه وهو شبه هيكل عظمي...
كان هذا التنكيل يشفي غليل الحجّاج
و أمير " المؤمنين" معاوية
بن أبي سفيان و أتباعه من الأمويين.
ثم تجري أنهار أخرى من الدّماء و لعل أشهرها قتل الحسن و الحسين أبناء
بنت رسول اللّه ّ يقتل الحسين وهو يطلب ماءً لأبنه الرّضيع،
يُقتل الأب و يقتل الرّضيع بعد
التّكبير و التّهليل ثمّ يحمل رأسه في طبق إلى دمشق أي إلى يزيد بن معاوية.
و يأتي تاريخ دمويّ أسود لبني
أميّة سالت فيه دماء باسم الله و باسم الخليفة و الخلافة الإسلامية السّمحة...
التّي ينادي بها غلاة الدّين اليوم و المتستّرين من أمثالهم...
من بعد يأتي العبّاسيون بغطرستهم و تعطّشهم للدّم ،
أبو مسلم الخرساني،
أبو العبّاس عبد الله" السفّاح"
"أنا سفّاح بني أميّة".
و يبدؤون خلافتهم الإسلامية السّمحاء بنهر من الدماء
بعد أن نكّلوا و صفّوا جسديا
كلّ من كان من خصومهم خاصّة من بني أميّة...
أثبت أصحاب "الرّايات السّود" أنّهم الأسوأ في تاريخ
المسلمين لتعطّشهم للدّم الإسلامي و غيره من الدّماء الأخرى...
وكان من بعدهم الفاطميون المنحدرون من سلالة فاطمة بنت الرّسول الذين
عاقبوا سكّان شمال إفريقية و أباحوا دماءهم و نساءهم و أرزاقهم بأن أرسلوا قبائل
الهمج من بني هلال و غيرهم من تلك الصّحاري القاحلة ليعيثوا فسادا في البلاد و
العباد ...
في تاريخنا الحديث يذيب "أمير المؤمنين"
محمد مرسي خصومه و معارضيه سياسيا
و هذا كذلك لا يحدث إلاّ عندنا.
ثم تتالت أنهار الدماء المؤرّخة و الغير مؤرّخة و التي تحفّظ المؤرخون
على ذكرها إمّا خوفا من الحاكم و رجال الدّين
أو انحيازا أعمى لوجهة نظر أخرى ،
هي دماء لا تحصى و لا تعدّ وهو
تاريخ أسود بكل المقاييس نواصل إنكاره تزييفا و مكابرة
فقط لنقول أنّنا أمّة الحضارة
و أنّ تاريخنا الإسلامي مشرق
وهو ما لا يمكنّنا نحن العرب و
المسلمين من مراجعة مفهومنا للإنسانية و الإنسان
فنحن أمة تحتقر الإنسان و
نكابر زيفا و ظلما و هو من جعل منّا أمّة في مؤخرة الأمم ...
سيسيل الدّم أكثر لو تجاهلنا تارخنا الأسود في عدم التسامح و الميل إلى
العدوان و حبّنا لسفك الدّماء
تارة باسم الله و تارة باسم الكرسيّ
و لأنّ الحاكم و رجل الدين في
تاريخنا المؤلم يدّعيان دوما امتلاك الحقيقة المطلقة.
لقد كان بشعا و مقرفا أن أشاهد الطّريقة الوحشيّة التي عامل بها "
ثوّار" ليبيا معمّر القذافي بعد استسلامه إليهم ،
لقد أثبتوا بهذا أنّهم ليسو
أقلّ وحشيّة منه
و أنهم يعادلونه عطشا للدّماء
كم كانت الصّورة قاتمة وهم يسحلونه و ينادون
" الله أكبر" .
لقد فوّتوا علينا مرّة أخرى و بكلّ " امتياز"
أن يرانا العالم كأمّة متحضّرة
و بدأت في مراجعة مفهومها للإنسانية
و لحرمة الجسد و لاحترام أسير الحرب
حتّى و إن كان لا يستأهل هذا و لسيادة العدالة
التي يجب ان تقول كلمتها في إجرامه و يكون عقابه من جنس عمله...
نحن أمّة لا زالت في ظلمة التّاريخ
و لا نعرف كم سيدوم هذا
الظّلام ؟